مكالمة في الطابق الخامس
س= قصة قصيرة

هذه أسرع مرة أجابني فيها شخص على الهاتف، وذلك من حسن حظي، وما أن فُتح الخط حتى بادرت: ألو، لقد علق بي المصعد في الطابق الخامس.
دام الصمت ثوانٍ على الطرف الآخر، ثم صدح صوت سعالٍ خشنٍ لرجل، قال:أنتِ في (شركة العبور) للاستيراد والتصدير، صحيح؟ المفترض أن يكون دوامكم قد انتهى منذ..
وسَكَت، فتخيلته ينظر إلى ساعته قبل أن يُكمل: ثلاث ساعات؟ حتى سالم عاد إلى بيته.
كدت أن أنطق بما أفكر: مَن سالم؟ ولكن ضوء المصباح المتذبذب فوقي مهددًا بظلام حالك أثار قلقي، فسألت: أليس هذا رقم الطوارئ؟
- طبعًا، طبعًا، لا تقلقي يا ابنتي، أنا هنا. أنتِ وحدك؟ ما اسمك؟
أجبته، وأخبرته اسم القسم الذي أعمل فيه.
- حسنًا سارة، لا تقلقي. اتصلت بالعمّال وهم في الطريق. أخبريني؛ هل أنت جديدة؟ لم أسمع باسمك من قبل؟
جلستُ على الأرض، أسندتُ ظهري للجدار ومددت ساقي المتعبتين. أهذه أسئلة معتادة في مواقف كهذه؟
هتف عندما طال صمتي: سارة؟
- منذ سنة قريبًا.
- وكيف تجدين العمل حتى الآن؟
نظرت نحو الكاميرا في الزاوية فوقي، وعدّلت من جلستي، تساءلت إن كان ما يفعل جزء من بروتوكول طمأنة العالقين: جيد، الحمد لله.
ثم تناهى إليَّ صوت شاب آخر عبر الهاتف: أستاذ أحمد، لماذا لم تنم حتى الآن، ولم تنهِ عشائك لأجل الدواء؟
وصلني ارتباك صوت محدّثي: آ.. سأتناوله. الآن.
اقترب صوت الشاب: من تُحدِّث؟
أجاب الرجل بصوت خافت ظنّه لن يصلني: ابنتي.
سمعت صوت الشاب وأنا أنهض من مكاني: إن لم تتناول دوائك سأضطر لإخبارها.
أمسكت الهاتف، أقارن الرقم الذي أحدّثه بالموجود على لوحة الطوارئ أمامي، وانتبهت إلى أنه ليس محفورًا ضمن لوحة المعلومات المعدنية، بل مطبوعًا على ورقة بيضاء أُلصقت أمام خانة رقم الطوارئ. استغرقت دقيقة لأفهم ما حدث، بينما عاد صوت محدّثي يلح باسمي: سارة، سارة أجبيبني..
أعدت الهاتف على أذني: هذا ليس رقم الطوارئ.
- بلى.
أخذت أحاول إزالة الملصق، متجاهلةً ما يشكله ذلك من خطر على إظفري المطلّي بالزهري صباحًا: هناك رقم مختلف خلف الملصق.
صرخ الرجل: لا تنزعيه!
صررت على أسناني: هل كلمّت أحدًا لمساعدتي؟
- أرجوكِ يا ابنتي، سأتصل بالدفاع المدني الآن، أرجوكِ لا تنزعي الملصق.
أحسست بالحرارة تتصاعد إلى وجنتي، لولا ماسمعت مصادفة لظللت هنا فترة الله أعلم بها!
صرخت به: كم كنت تنوي إبقائي هنا بالله؟! ماذا لو كنت مريضة؟
اعترض: بدا صوتك بخير تمامًا و.. أرجوك، أرجوك اتركيه مكانه.
- ماذا لو علق أحدهم ولم تكن بالجوار؟!
ضحك ضحكة قصيرة لا مرح فيها: وأين سأذهب؟ صدقيني احتمالية إجابتي أعلى من شركة الصيانة الكسولة.
زفرت بغضب، وقد ضاعت الكلمات مني. تابع: حتى لو لم أجبهم، لديهم ألف شخص يستنجدون به في قوائمهم، أنا انتظرت سنة حتى استنجدتني أنتِ.
ضربت لوحة الطوارئ بكفّي: لم تتصل بأحد لأجلي!
- سأتصل الآن، والله والله.
- انس الأمر.
أغلقت الهاتف لأتصل بالدفاع المدني، وجلست بعدها قرابة ربع ساعة، وشاشتي تومض برقم الطوارئ المزيف، بلا توقف، بينما استمر إظفري في عمله حتى انكسر، بعد أن قشّرت الملصق تمامًا.

تدوينةٌ تختلف حسب المعادلة